تجد في نهاية الخطبة روابط تحميلها ملفات PDF & MP3
الخطبة الأولى
أما بعد:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
وقال تعالى في حق اليهود محذرا المسلمين من مشابهتهم : ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة: 42]، وقال عنهم: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 62]
عباد الله حذر النبي صلى الله عليه وسلم – كل من يتهاون في الأموال العامة ، فقال: «إن أقوامًا يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
وعنه – صلى الله عليه وسلم – قال: «يا أيها الناس من عمِلَ منكم لنا على عملٍ فكتَمَنا فيه خيطًا فما فوقه فهو غلٌّ يأتي به يوم القيامة».
عباد الله
كل ما يدفعه المرء من مالٍ ونحوه لمن تولَّى عملاً من أعمال المسلمين ليتوصَّل به المُعطِي إلا ما لا يحِلُّ له فهي رشوة يحرمها الشرع والقانون.
ومن أعظم أنواعها: ما يُعطَى لإبطال حقٍّ، أو إحقاق باطلٍ، أو لظلمِ أحد.
ومن الرِّشوة: ما يأخذه المُوظَّف من أهل المصالح ليُسهِّل لهم حاجاتهم التي يجب عليه قضاؤها بدون دفع هذا المال، فمن استغلَّ وظيفته ليُساوِم الناس على إنهاء مصالحهم التي لا تنتهي إلا من قِبَل وظيفته فهو ملعونٌ على لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
فليتقِ الله من وقع في ذلك قبل أن يفجأه الموت، فلا ينفعه – حينئذٍ – مالٌ ولا بنون؛ فمن مُقرَّرات دين الإسلام: أن هدايا العُمَّال غُلول، والعُمَّال: كل من تولَّى عملاً للمسلمين، وهذا يشمل كل مُوظَّف أيًّا كانت مراتبه سواء كان في قطاع حكومي أو خاص.
ومن صور الرِّشوة – يا عباد الله -: من رَشَا ليُعطَى ما ليس له ولو كان مما تعود مُلكيَّته للمال العام، أو ليدفع حقًّا قد لزِمَه، أو رَشا ليُفضَّل على غيره من المُسلمين، أو يُقدَّم على سواه من المُستحقِّين في وظيفةٍ ونحوها.
الرِّشوة مُحرَّمةٌ بأي صورةٍ كانت، وبأي اسمٍ سُمِّيَت، هديةٌ، أو مكافأةٌ، أو كرامة، فالأسماء في الشريعة لا تُغيِّر من الحقائق شيئًا، فالعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني.
روى البخاري ومسلم عن أبي حميدٍ الساعدي – رضي الله عنه – قال: استعملَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – رجلاً من الأَزْد، – اي جعله موظفا من مهامه جمع الزكاة – فلما قدِمَ قال الرجل : هذا لكم وهذا أُهدِيَ إليَّ، فلما علِمَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – قام خطيبًا على المنبر، فحمِدَ الله وأثنى عليه، ولا يفعل الرسول ذلك إلا لأمر جلل، فحَمِد الله وقال: «ما بالُ عاملٍ أبعثُه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدِيَ إليَّ، أفلا قعَدَ في بيت أبيه أو أُمِّه حتى ينظُر أيُهدَى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده؛ لا ينالُ أحدٌ منكم منها شيئًا إلا جاء يوم القيامة يحملُه على عُنقه ..» الحديث
اعلموا عباد الله أن اكل المال الحرام من أعظم أسباب منع استجابة الدعاء، ندعوا الله ليَشفي مريضنا ويشفينا من الادواء والأمراض، ندعوا الله ليرزقنا وليَحفظنا وذرارينا، ولكن الدعاء لا يستجاب يا عباد الله لأننا استمرأنا للأسف اكل المال الحرام بعدة صور بالرشوة وغيرها.
أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المُرسلين؛ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له”
قال تعالى “يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ”الآية
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آلِه وصحبه وإخوانه أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله اتقوه حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا غداً انكم بين يدي الله موقوفون وعلى أعمالكم وزلاتكم محاسبون وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون
عباد الله: إذا علمتم أن هذا البلد الكريم بلد الحرمين الشريفين هو آخر معاقل الإسلام والتوحيد والسنة، وأن الأمم الكافرة والفرق المبتدعة قد نصبت له العداء بشتّى صوره، العداء التقليدي الحرب بالسيف والسنان والصواريخ والقنابل، والحرب بالأفكار والإشاعات وبالغزو الفكري وغيره، وشيءً نعلمه وكثير لا نعلمه، وإذا علمتم هذا الحرب الذي يقوم به أهل الباطل من الكافرين والمبتدعين على أهل الإسلام من السنة اذا علمتم هذا في هذا البلد الكريم فتأكدوا أن من أفسد في هذا البلد برشوةٍ أو خيانة أو أي صورةٍ من صور الخيانة أو الأمور المحرّمة شرعاً من الموبِقات وغيرها فهي أعظم عند الله من غيره وهذا معلوم شرعاً وعقلا،
فاتقوا الله عباد الله واستحضروا ما انتم فيه من نعمةٍ في هذا البلد الأمين الكريم الذي أنعم الله عليه بأعظم نعمة وهي نعمة التوحيد والسنة فحافظوا على هذه النعمة بالقيام بما أمر الله واجتناب ما زَجَرَ الله عنه سبحانه وتعالى.
ثم صلوا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” الآية ؛ اللهم صلي وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضى اللهم على أصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين وأذِلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداءك أعداء الدين اللهم ابرم في هذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية اللهم من أراد بنا وبلاد المسلمين عامة بسوء فاجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السَوْء عليه يا أرحم الراحمين اللهم آمِنّا بِدورنا واصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار وأقِم الصلاة.
١٩ ربيع الثاني ١٤٤٢هـ