تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF وملف صوتي MP3
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة.
عباد الله : قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ الآية، ذكر الطبري وغيره من أهل التفسير أن هذه الآية عامة في كل كافر فارق دين الله من اليهود والنصارى أو من المسلمين المرتدين وكذلك في كل مبتدع تفرق عن جماعة المسلمين وأصبح فرقة مستقلة، وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي». قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حديث الافتراق هذا والذي رواه ستة عشر صحابيا هو أصل في الدين.
عباد الله : إن افتراق الأمة قدر كوني قدره الله كونا ولم يقدره شرعا فإن الله يدعو عباده إلى الاجتماع على الحق والاعتصام بحبله المتين، لكنه سبحانه وتعالى يعلم بعلمه الغيب أن الافتراق سيحصل لأنه أعطى الإنسان إمكانية الاختيار إما شاكرا وإما كفورا، قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ الآية.
عباد الله: إن الله لما بعث محمد ﷺ بالدين، ألف بين قلوب العرب بعد أن كانوا أعداء، وجمع شملهم في جماعة واحدة بعد أن كانوا أشتاتا، وامتن عليهم بهذه النعمة العظيمة وهي نعمة الاجتماع على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ في جماعة الأديان كما جمع بين أجسادهم في جماعة الأبدان على إمام وقائد فكانوا قوة عظيمة ومجتمع مستقر ﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، فدانت لهم الأمم وخضعت لهم الشعوب ودخل الناس في دين الله أفواجا، واتسعت دولة الإسلام في عهد الخلافة الراشدة، لكن النبي ﷺ أخبر بما أوحى إليه ربه أن الأمة ستفترق كما سمعتم في حديث الافتراق وأن الإسلام بدأ « غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً».
فخرج البغاة السبئية اتباع ابن سبأ اليهودي على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فكان افتراقهم عن جماعة المسلمين أول الأمر باللسان فقط ينشرون الإشاعات وينقلون الحكايات عن الوزراء والحكومات تحت خلافة عثمان حتى نالوا منه ثم تطور الأمر كما يحصل الآن إلى وقفات احتجاجية ثم مظاهرات سلمية زعموا ثم انقضوا بهمجية وفوضوية على قصره فقتلوه ثم سلبوا ماله وقد كانوا من قبل يزعمون أن الإصلاح قصدهم وإنكار المنكر غايتهم لكنها سنة الله فيمن سعى سعيهم ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾.
عباد الله: لما خالف أولئك القوم طريقة الجماعة الأولى في نصح الحاكم وإرادة الإصلاح أو إنكار المنكر؛ وهذا تفرق في جماعة الأديان تبع ذلك تفرق جماعة الأبدان فتفرقت الجماعة واقتتل الناس ولا يزال المسلمون يتفرقون إلى قيام الساعة؛ كلما تفرقت فرقة ادعت أنها على الحق وشبهوا على جهال المسلمين ببعض آيات الكتاب دون السنة؛ فتسمت الجماعة الأولى التي هي على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه: باسم أهل السنة والجماعة وباسم أهل الحديث إشارة إلى الأخذ بالسنة عندما استدلت الفرق بالكتاب دون السنة، وإلى الجماعة إشارة إلى التمسك بها وبإمامها عندما خرجت الفرق وشقت عصى الطاعة، وهكذا.
ولما خرجت فرق تستدل بالكتاب والسنة ولكن بأفهامهم دون أفهام الصحابة والتابعين وتابعي التابعين؛ تسمى أهل السنة والجماعة باسم أهل الأثر إشارة إلى آثار السلف التي توضح فهمهم للكتاب والسنة، وكذلك تسمى أهل السنة والجماعة بالسلفيين إشارة إلى ضابط فهم السلف للكتاب والسنة.
والسلفية يا عباد الله ليست حزب أو فرقة أو تنظيم يتبع شخصا سوى شخص رسول الله ﷺ وإنما هي لفظة تعني من سبق في هذا الدين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأئمة الهدى والدين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛. فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً ” انتهى كلامه. عباد الله: ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «خَيْرُ أُمَّتي قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونهم، ثمَّ الذين يَلُونهم» الحديث.
وهذه القرون الثلاثة هم السلف الصالح وسبيل المؤمنين الذي رتب الله سبحانه العقاب على من خالفه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ ﴾ الآية.
وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: « النجومُ أمنَةٌ للسماءِ ، فإذا ذَهَبَتِ النجومُ أتَى السماءَ ما توعَدُ ، وأنا أمنَةٌ لأصحابي ، فإذا ذهبْتُ أتى أصحابِي ما يوعدونَ ، وأصحابي أمنَةٌ لأمَّتِي ، فإذا ذهبَتْ أصحابي أتى أمتي ما يوعدونَ ».
عباد الله: لا ينقطع العجب من مسلم يدعي أنه من أهل السنة ويحب الصحابة ويبغض من يبغضهم ثم لا يقيم وزنا لأقوالهم إذا خالفت رأيه ويضرب بأفهامهم عرض الحائط إذا لم يوافق فهمه مدعيا التزامه الكتاب والسنة وكأن الصحابة والسلف الصالح لا يعرفون الكتاب والسنة وهم الذين نقلوهما لنا حفظا في صدورهم وكتابة في ألواحهم فأين بالله عليكم تعظيم جانب السلف؟! وأين تقدير الصحابة؟!
عباد الله: يذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أنه لا يتصور أن ينقل عن صحابي قول أو فعل مخالف للكتاب والسنة إلا وينقل لنا إنكار صحابي آخر عليه؛ لأن هذا هو مقتضى حفظ الله للدين كما وعد سبحانه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ الآية، كما أن خيرية هذه الأمة في قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال سبحانه ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ الآية، والسلف الصالح هم خير هذه الأمة كما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «خَيْرُ أُمَّتي قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونهم، ثمَّ الذين يَلُونهم» فلا تتصور أيها المسلم أن يحفظ الله نقلا عن أحد الصحابة وهو مخالف لدين الله! بل الموافق للأدلة السابقة هو حفظ دين الله، وإنكار بعضهم على بعض إذا ما خالف أحدهم الحق، ولا تظنوا أن مجتمع السلف الصالح قد ابتلي بما ابتلينا به من النفاق الاجتماعي والسكوت عن الحق ومشابهة اليهود الذين قال تعالى فيهم قال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ الآية. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله : لماذا يحارب المبدعة والزنادقة مجتمعون السلفية ورموزها ويحاولون تشويه أهلها وإسقاط هذا الضابط الشرعي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؟
عباد الله : إن أهل الضلال والفساد، سواء كان منافقا يريد نشر ضلاله كيدا للإسلام أو مبتدعا ينتصر لبدعته وفرقته أو فاجرا يقتات من عباءة الدين وينتحل لباس أهل العلم الصادقين أو مبتغ للشهرة والشرف من أهل المال والترف؛ كل أولئك يريدون إسقاط فهم السلف الصالح ليسهل عليهم القول في تفسير آيات الكتاب بلا سلف وشرح سنة النبي ﷺ بلا قول إمام معترف!
فإن فهم السلف وآثارهم تفصل معنى النصوص وتسد الباب من دون اللصوص وتبين المطلق من المقيد والعام من المخصوص وهؤلاء المجرمون يبتغون الفتنة ويبتغون تأويل المتشابه من القول يريدونها عموميات يمتطونها إلى غاياتهم الخبيثة وقد حذر من طريقتهم النبي ﷺ كما روت عائشة رضي الله عنها تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: {هو الذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ منه آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فأمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ منه ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ في العِلْمِ يقولونَ آمَنَّا به كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا، وَما يَذَّكَّرُ إلَّا أُولو الألْبَابِ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: إذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ منه، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» رواه مسلم. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: أكثر ضلال ابن آدم من القول المجمل الذي يحتمل أكثر من معنى. وهذا الذي يريده من يحاول إسقاط فهم السلف من خلال تشويه السلفية ومشايخها وإلصاق تهمة الإرهاب فيها وهي التي تصدت للإرهاب في شقيه الثوري الخارجي والثوري الليبرالي؛ وفصل مشايخها القول دون إجمال، ووضعوا النقاط على الحروف، ولكن أؤلئك المجرمون قفزوا من قارب التنظيم وارادوا رمي السلفية بدائهم وينسلوا. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذِلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداءك أعداء الدين اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده ووزراءه وأعوانه لما تحبه وترضى واجعل عملهم في رضاك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين.
اللهم عليك بالرافضة والحوثيين والإخوان والليبراليين وكل منحرف عن الدين ذات الشمال وذا اليمين.
اللهم أبرم في هذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية ويخزى فيه أهل البدعة والانحلال، ويفضح فيه من يحمل على المسلمين الغل والأغلال، ويسعى في نشر الثورة والفوضى والوبال، ويكفر نعمة ظهور التوحيد والسنة والأمن ويريد الإخلال.
اللهم انصر أهل السنة السلفيين في كل مكان اللهم اغفر لمشايخهم وأئمتهم وانصرهم بالحق على من خالفهم واقمع أهل الزيغ والفساد ومن شاكلهم.
. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
٢٢ ذو القعدة ١٤٤٢هـ
هاشم المطيري