تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF
شكر الله في أفضل أيام العام
الخطبة الأولى:
أما بعد:
عباد الله: قال تعالى: “اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور” الآية.
عباد الله: إن من أعظم أنواع شكر الله سبحانه وتعالى معرفته سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى والإيمان بها وافراده بما يختص به ومعرفة الله سبحانه وتعالى بربوبيته وأنه الخالق المدبر المالك الرازق وافراده بأفعاله سبحانه التي يختص بها فلا نعتقد في غيره اعتقادا هو خاصا بالله مثل إنزال المطر واحياء الموتى أو علم الغيب أو النفع والضر من دونه سبحانه وهكذا. كذلك معرفته سبحانه بألوهيته وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له وعدم صرف اي نوع من أنواع العبادة لغير الله لا دعاء ولا ذبحا ولا ركوعا ولا تعظيما. والإيمان بتوحيد الله عموما.
هذا هو أصل الإيمان وأساس الإسلام ومفهوم شكر الله الاعظم الذي لا تستقيم به كل أنواع الشكر الأخرى ولا العبادات الكثيرة بل ولا تقبل عند الله إلا بأصل إقامة توحيد الله.
ومن أنواع شكر الله عباد الله إقامة فرائض الدين التي شرع وإحسان أدائها كما شرع إخلاصا لوجهه من غير رياء ولا شهرة واتباعا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل المؤمنين، من إقامة الصلاة بأوقاتها والاتيان بأركانها وسننها طمأنينة وخشوعا والحرص على السنن الرواتب تقربا وخضوعا واغتنام آخر الليل قياما واستغفارا، فإن ذكر الله أيضا من أيسر أنواع شكره وأعظمها ولكن التوفيق والهداية بيد الله سبحانه أسأل الله من فضله لي ولكم، وأعظم وأفضل أنواع الذكر هو تلاوة القرآن الكريم.
ومن أنواع شكر الله سبحانه ايتاء الزكاة والصدقة على الفقراء والمساكين من الأقارب والجيران وتفقد حاجاتهم والسعي في إتمام معاملاتهم بما يرضي الله.
عباد الله : من فتح الله عليه باب خير ورأى من نفسه إقبالا على باب قد يسره الله له فلا يتركه فقد لا يحسن الأبواب الأخرى مثلما يحسن هذا الباب فمن رأى نفسه في طلب العلم جادا منتفعا ونافعا لغيره فليتمسك به ويفعل ما استطاع من أبواب الخير الأخرى إذا سمح وقته وجهده. وكذلك في باب الذكر من وجد نفسه تستطيع الذكر اكثر من نوافل الصلوات والصيام وانه لا يستطيعها مثل الذكر فليكثر من ذكر الله تلاوة وتسبيحا
ومن وجد نفسه في باب قضاء حوائج المسلمين مالا وشفاعة حسنة، أكثر من نوافل العبادات فعليه ألا يترك ما يستطيع إلى ما لا تستطيع نفسه الصبر عليه وهكذا.
عباد الله كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا يكثر من صيام النوافل لأنها تضعفه عن تلاوة القرآن. فاشتغل بالأفضل؛ فمن لم يستطع أن يجمع بين انواع الشكر فلينظر أي العبادات أيسر عليه ويحسنها فيكثر منها.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا))؛ متفق عليه.
فاغتنموا عباد الله هذه الأيام الفاضلة على غيرها من أيام العام بالقول والعمل الصالح فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال: “ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلًا خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ”.
فالمحروم من حرم العزيمة فيها على الطاعات والمعاقب من صرف في هذه الأيام العشر عن قربى تنجيه يوم العرصات فاسألوا الله التوفيق والهدى وتعوذوا به من الحرمان والردى.
واعلموا أن بالشكر بأنواع العبادات قولا وعملا تستبقى النعم وتزيد، وبالكفر ومنه كفر النعمة وأنواعه كثيرة منها الغفلة عن الطاعات في مواسم العبادات وبمثل ذلك تستجلب النقم وتطرد. قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
١ ذو الحجة ١٤٤٣هـ.
جامع والدة الأمير بدر بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود
هاشم المطيري