تجد في نهاية الخطبة روابط تحميلها ملفات PDF وملف صوتي MP3
الحرية الحقيقية في ظلال العبودية
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة.
عباد الله:
قال تعالى :”وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم” الآية
وقال سبحانه: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” الآية
عباد الله:
التسليم لحكم الله وشرعه هو أصل الإسلام الذي يصبح به المسلم مسلما؛ فأصل الانقياد لله واليقين بأن شرع الله جملة وتفصيلا أصولا وفروعا كله حكمة ورحمة وهو أصلح وأنجع قال تعالى: “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” الآية.
وهو فحوى العبودية لله المتضمنة لمعنى الذل والانقياد والمحبة
هذه هي العبودية التي تحرر الإنسان من عبودية الشهوات المادية والحيوانية.
لذلك قال تعالى: “إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” الآية، محررا: أي متفرغا للعبادة وخدمة بيت الله سبحانه وتعالى؛ هذه هي العبودية التي خلق الله الخلق لأجلها؛ عبادة الله وحدة لها شريك له؛ لأجلها خلقهم وأنزل كتبه وأرسل رسله جميعا عليهم الصلاة والسلام
فكلما كان العبد متفرغا لعبادة الله متحررا من قيود الشهوات كان أكثر إيمانا وأقرب إلى الله، وكلما كان العبد متفرغا لدنياه متبعا لشهوات نفسه وخطوات الشيطان غافلا عن عبادة الله متحررا منها كانت حريته مذمومة وعبوديته مثلومة وهذه هي الحرية التي يتداول مصطلحها الناس في هذا العصر ويدعو إليها شياطين الإنس والجن في الشرق والغرب.
فاختر لنفسك أيها المسلم العبودية التي تنجيك والتحرر الذي لا يخزيك واعلم أن غلو بعض المنتسبين إلى الدين المنتحلين المنفرين لا يخولك أن تفرط في دينك ولا يعذرك في تفريطك؛ فلا يدفعك غلو وتشدد المتشددين إلى أن ترتمي في أحضان المميعين المفرطين من دعاة الحرية الليبراليين أو العلمانيين أو التنويريين؛ فإن الطائفتين آثمتين خارجتين عن صراط رب العالمين.
قال تعالى: “وكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” الآية
فاحذروا هذه المصطلحات المنمقة والدعوات المزبرقة التي يغتر بها من لا يعلم ويطير بها الفساق فرحا “وإن يقولوا تسمع لقولهم” أي أنهم يجعلونك تسمع لحلو كلامهم وهم يخفون السم في العسل والمصائب في المصطلحات البراقة.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله اتقوه حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا انكم غدا بين يدي الله موقوفون وعلى أعمالكم وزلاتكم وتفريطكم نادمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
خذوا من دنياكم لآخرتكم ومن شبابكم لهرمكم ومن صحتكم لسقمكم أكثروا من ذكر الله فإن ذكر الله من أعظم العبادات وأسهلها ولا يفوق إليها إلا من وفقه الله وإذا رأيت نفسك أيها العبد لا تستطيع أن تمارس ذكر الله فاعلم أنك محروم وأنك في عقوبة فالتجئ إلى الله واقلع مما أنت فيه من معصية الله وتب إليه، تب إليه فإنها لحظات ولا يدري أينا يسبق الآخر إلى ربه فاعملوا لذلك اللقاء وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” الآية اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذِلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداءك أعداء الدين اللهم آمنا بدورنا وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم أصلحنا جميعا رعاة ورعية ووفق إمامنا لما تحبه وترضاه وارزقه البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين كافة بسوء اللهم أشغله في نفسه واجعل دائرة السوء عليه واجعل تبديره في تدميره يا قوي يا عزيز. اللهم انصر جنودنا على الثغور وفي كل مكان اللهم انصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك وكن لهم ولا تكن عليهم احفظهم وتقبل موتاهم في الشهداء وداو جراحهم وردهم إلى ذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار.
ربنا تقبل منا إنك أنت العزيز الحكيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وأقم الصلاة.
١٦ جمادى الآخرة ١٤٤٢هـ
هاشم المطيري