الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) الآية.
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: قال تعالى: [فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك] الآية. بوّب الإمام البخاري في صحيحه باب العلم قبل القول والعمل. فالعلم يا عباد الله يسبق حتى الإستغفار فضلاً عن العمل. العلم يا عباد الله يؤخذ بالقراءة والقلم قال تعالى: [اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم] الآيات.
فهذه دعوة من الله سبحانه وتعالى في أول نزول هذا الدين إشارة إلى أن العلم لا يؤخذ إلا بطلبه قراءةً و كتابة. العامل يا عباد الله بغير علم يوشك أن يقع ولا ريب ولا شك في الضلالة ومخالفة ما أمر الله به فإن الوحي قد انقطع والأصل والنسب والمال السلطة لا تورّث العلم وإن رفعت مكانة صاحبها في الدنيا إلا إنها ليست طريقة لطلب العلم إنما العلم يطلب بالقراءة والكتابة على أهله. العلم يا عباد الله الذي هو شرط في العبادة وإلا شابهنا الأمم من قبلنا يحتاج إلى صبر واجتهاد ويؤخذ عن أهل الفقه والعلم حتى تتسبب يا عبد الله ببعض أسباب النجاة ويرحمك الله حين يرى منك عبادة عن علم وبينات فضلا عن من نشر الخير والعلم بين المسلمين والمسلمات على بصيرة. قال تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولوا الألباب
عباد الله نحن نقرأ في كل ركعة من صلواتنا قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين….
فالمغضوب عليهم هم الذي خالفوا الحق عن علم كاليهود ومن شابههم والضالين هم الذين خالفوا الحق عن جهل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فالذين يتقربون إلى الله بغير علم هؤلاء قد شابهوا النصارى في التقرب إلى الله فاحذروا.
ثم اعلموا أن للعلم والسعي في طلبه فضل عظيم وأجر كبير لا يوازي طلب العلم عبادة ولا قربة فهو أفضل الطاعات على الإطلاق.
أخرج البخاري في صحيحه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول(من يرد الله به خيرا يفقه في الدين). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره معنى هذا أن من لم يتفقه في دين الله هذا لم يرد الله به خيرا. فاحذروا يا عباد الله.
وعنْ أبي الدرداءِ رضيَ اللهُ عنهُ قال سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول (مَنْ سلَكَ طريقًا يلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سهّلَ اللهُ لهُ بهِ طريقًا إلى الجنة وإنَّ الملائكةَ لتَضَعُ أجْنِحَتَها لِطالِبِ العلمِ رِضًى بِما يصْنع وفضلُ العالِمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ وإنَّ العُلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنّ الأنبياءَ لمْ يُوَرِّثوا دينارًا ولا دِرْهَمًا إنّما ورَّثوا العِلمَ فمَنْ أخذَهُ أخذَ بِحَظٍّ وافرٍ.
وعند ابن ماجه عنه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “لَيَستغفِرُ للعالِمِ مَن في السَّمواتِ، ومَن في الأرضِ، حتَّى الحِيتانُ في البحرِ”، أي: يَدْعون له بالمَغفِرةِ.
عباد الله
للعلماء الذين يعلمون الناس دين الله فضل عظيم وفي سُننِ التِّرمذيِّ عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رضِيَ اللهُ عنه، قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنَّ اللهَ وملائكتَه وأهلَ السَّمواتِ والأرضينَ، حتَّى النَّملةَ في جُحرِها، وحتَّى الحوتَ؛ لَيُصلُّونَ على مُعلِّمِ النَّاسِ الخير.
وقد جمع الله بين شهادته سبحانه وتعالى لا شريك له وبين شهادة الملائكة وشهادة أهل العلم في قوله شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وهذا من أعظم الفضل واعلى الشرف أسأل الله من فضله لي ولكم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله: اتقوه حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعلى زلاتكم محاسبون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
خذوا من دنياكم لآخرتكم ومن صحتكم لسقمكم فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
عباد الله:
العلم يورث صاحبه خشية الله ومخافته فيقبل على ما ينفعه في دينه ودنياه ويحجم عن معصية ربه فينجو ويسلم في دينه ودنياه قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماءُ.
وهذا حق والله فإن من جهل بشيء استهان به وأوشك أن يؤتى من جهله به فاحذروا الله والله يحذركم نفسه فاجتهدوا صغارا وكبارا في طلب العلم النافع بذلا لأسباب النجاة وطلبا لرحمة الله خصوصا وقد تيسرت في هذا الزمان وسائل طلب العلم كما تيسرت أسباب الهلاك والرجم فانظروا في حالكم فإن الإنسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره.
الإنسان أعلم بنفسه الجاهلة ولو ادعى العلم والمعرفة والثقافة والفهم فلا تغرنكم الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
ثم صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” الآية. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضى اللهم على أصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذِلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداءك أعداء الدين اللهم آمنا بدورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه اللهم وفّقه وولي عهده ووزراءه وأعوانه وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية.
اللهم خذ بنواصينا للبر والتقوى اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين وفي كل مجال وميدان اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم برحمتك وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
١٩ محرم ١٤٤٣هـ
هاشم المطيري