التصنيفات
المنهج

الأبعاد الفكرية للحركة المثلية ومستقبل المجتمعات – هاشم المطيري #الدراسات_الاستشرافية

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أن نتعرف على الأبعاد الفكرية لهذه الحركة التي تنشط مؤخرا بشكل ملفت عالميا على جميع الأصعدة سياسيا وإعلاميا وسينمائيا وغيره، يجدر تعريف المثلية، وهي حركة تنادي بحرية زواج الرجل بالرجل أو المرأة بالمرأة وقبول ذلك في القوانين الشخصية ودساتير الدول عموما، وحماية هذا -الشذوذ- من الإنكار بل وإعلان قبوله في كل جوانب المجتمع المتنوعة!
فما هي أسباب تأييد هذه الحركة؟ وما هي الأبعاد الفكرية لها؟ وما مستقبل المجتمعات مع هذه الحركة؟ وللإجابة على هذه الأسئلة نبدأ بتاريخ موجز عن المثلية، فقد كانت صورتين للنشاط المثلي تاريخيا، الأولى: مجرد ممارسة الجنس، الثانية: اعتبار تلك الممارسة زواجا قانونا.

فالصورة الأولى قديمة بقدم قوم لوط، قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} الأعراف: 80، 81، ثم انتشرت هذه الفاحشة فيمن بعدهم ولكل قوم وارث، أما الصورة الثانية: لم تثبت في العصور القديمة مع احتمال وجودها لكن كل الكلام فيها يفتقر للإثبات العلمي، فلم يثبت إلا المطالبات المعاصرة التي لم تعرف إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
وبعيدا عن نظريات المؤامرة التي يستهويا عوام الناس لتبرير إخفاقاتهم، إلا أن هناك مؤامرات تحاك على قدم وساق، ولا يستطيع أحد إنكارها، قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} الطارق: 15، وقال: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} البقرة: 217، وهذه الاستمرارية تستلزم مؤامرات وخطط ومكائد، ومثل هذه الحركة في -صورتها الثانية- قد تكون نشأت عن شهوة جنس أو شهرة، إلا أن أصحاب الغايات يستغلون كل حركة ونشاط مجتمعي لتحقيق مكاسب مالية أو مناصب إدارية؛ وهنا مربط الفرس.
ولعل بعض صراعات المجتمعات تسوق أولئك المتصارعين إلى تبني مواقف طرف ضد طرف ولو لم يؤمن بها، أو أن يتبنى بعض الطامحين إلى رئاسة أو مأكل أن يختار إحدى الصفوف تسلقا إلى مطامعه، فيرفع شعاراتهم لأنه يعلم أنه لن يحقق شيئا بمفرده، وهذا الاحتمالات المذكورة هي من باب حسن الظن، وسبب يفسر كثر جموع المؤيدين لنشاط شاذ لا تقبله العقول الصحيحة ولا الفطرة السليمة ولا الديانات المحرفة حتى.
فقد عرفت المجتمعات الغربية التي نشأت عنها هذه الحركة المثلية -بصورتها الثاني- بتيارين متضادين أحدها محافظ ويسمى اليمين، والآخر منفلت ويسمى اليسار، ولعل التوجه الأخير يفسر سبب تبني اليسار الغربي لهذه الحركة أكثر من اليمين المحافظ، لكنه بالتأكيد ليس السبب الرئيس أو الوحيد من هذا النشاط الذي طال العلاقات الدولية ولم يعد مجرد نشاط داخل تلك المجتمعات.
إن من اطلع على كيفية إدارة المجتمعات الغربية بالنظام الديمقراطي؛ يعلم يقينا أن هناك عقبتين اثنين يعيقان تطبيق الديمقراطية كما يريد ساستها، الأولى: عقبة الدين ورجاله، والثانية عقبة الأسرة التي تقاد من رجل خبير، فالأولى سقط معظمها بالثورة الفرنسية ونشوء العصر الحديث، والثانية يعمل النظام الرأسمالي على تفكيكها وسقوطها؛ وكلا العقبتين تبارز بسيف الإعلام التقليدي والحديث، وسيف القوانين التي تضمن -بزعمهم- حقوق المرأة والطفل.
فالديمقراطية مبنية على صناديق الاقتراع التي يساق إليها الناس متأثرين بأحد ثلاثة أمور: إما الإعلام الذي يصنع قدوات ويشوه قامات، أو الخطاب الديني، أو رب الأسرة -المتماسكة- الذي يوجه ويطاع ويحمي ويعاقب، فإذا كان أصحاب النفوذ الذين يملكون المال والإعلام ويدعمون الرؤساء والنواب، ويشرعون اللوائح والقوانين التي تخدم مصالحهم؛ وجب عليهم تشويه الديانات ورجالاتها، وتشتيت الأسرة وكياناتها، كي يتلقى أفراد المجتمع متفرقين فرادا: خطاب الإعلام الموجه دون تأثير، ومن جهة أخرى يزداد الإنفاق بتفرق أفراد الأسرة فترجع بالربح أكثر على مؤسسات أصحاب رؤوس الأموال والذين هم أنفسهم أصحاب القرار والإعلام والتشريع.
فما هي الأداة التي تفكك الأسرة عدا تلك القوانين التي صيغ ظاهرها لحفظ حقوق المرأة والطفل، وحيك باطنها بالتنفير عن الزواج والأسرة التقليدية أو هدمها وتفكيكها؟ إنها المثلية التي تقع في الأسرة قنبلة محرقة ومشاكل مفرقة، فيدخل أفراد الأسرة في غيبوبة تجعلهم أكثر طوعا للتوجيه، ويسهل إدارتهم وسوسهم؛ وهذا هو المطلوب فكريا لخدمة السياسة والاقتصاد.
أما تصدير مثل هذه الحركة إلى المجتمعات المحافظة الإسلامية وغيرها؛ فإنها تضمن مستقبلا من الفوضى الاجتماعية المختلفة، فكريا وأمنيا، واقتصاديا وغيره، فيسهل الضغط على تلك الدول الموبوءة عبر سيف الإعلام تارة، وسيف الاقتصاد العالمي تارة أخرى، لتستمر الهيمنة الغربية على العالم فكريا واقتصاديا وسياسيا، والأمر نسبي في المجتمعات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
١٤ شوال ١٤٤٣هـ
هاشم بن فيصل المطيري
باحث دكتوراه في قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة
المعهد العالي للدعوة والاحتساب
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض

بواسطة هاشم المطيري

المشرف على موقع البيعة
ماجستير عقيدة ومذاهب معاصرة
داعية وخطيب جمعة ومهتم بالأمن الفكري وتوعية المجتمع.