تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF وملف صوتي MP3
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة
عباد الله
فإنهُ لَا أعظمَ منْ نعمةِ الهدايةِ للإسلامِ، قالَ تعالَى: ﴿بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ﴾ [الحجرات: 17] وقالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] وقالَ: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ﴾ [النحل: 53].
ولَا تظنَّ أنَّ فضلَ اللهِ عليكَ بأنكَ وُلدتَ مسلمًا أنَّ هذهِ النعمةَ متيسرةٌ لكلِّ أحدٍ بلَا تعبٍ ولَا مشقةٍ، كلَّا واللهِ، فإنهُ قد حُرِمَ هذهِ النعمةَ أبوَا رسولِ اللهِ ﷺ، روَى مسلمٌ عنْ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- حديثًا فيهِ قصةٌ، وَالشاهدُ منهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ للرجلِ: «إنَّ أبِي وأباكَ فِي النارِ».
وروَى مسلمٌ عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: زارَ النبيُّ ﷺ قبرَ أمِّه، فبكَى وأبكَى منْ حولهُ، فقالَ: «استأذنتُ ربِّي فِي أنْ أستغفرْ لهَا فلمْ يُؤذنْ لِي، واستأذنتُه فِي أنْ أزورَ قبرهَا فأذنَ لِي».
بلْ إنَّ عمَّ النبيِّ ﷺ أبَا طالبٍ الذِي كانَ يحوطهُ ويحميهِ، وقدْ خدمهُ أكثرَ منْ كثيرٍ منَ المسلمينَ قدْ حُرِمَ هذهِ النعمةَ، فماتَ كافرًا، روَى البخاريُّ ومسلمٌ عنِ المسيبِ أنهُ قالَ: أنهُ لمَّا حضرتْ أبَا طالبٍ الوفاةُ جاءَهُ رسولُ اللهِ ﷺ، فوجدَ عندهُ أبَا جهلٍ بنِ هشامٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبِي أميَّةَ بنِ المغيرةِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ لأبِي طالبٍ: ” يَا عمُّ، قلْ: لَا إلهَ إلَّا اللهُ، كلمةً أشهدُ لكَ بهَا عندَ اللهِ ” فقالَ أبُو جهلٍ، وعبدُ اللهِ بنُ أبِي أميَّةَ: يَا أبَا طالبٍ أترغبُ عنْ ملةِ عبدِ المطلبِ؟ فلمْ يزلْ رسولُ اللهِ ﷺ يعرضهَا عليهِ، ويعودانِ بتلكَ المقالةِ حتَّى قالَ أبُو طالبٍ آخرُ مَا كلمهمْ: هوَ علَى ملةِ عبدِ المطلبِ، وأبَى أنْ يقولَ: لَا إلَه إلَّا اللهُ.
أيُّهَا المسلمونَ، إنَّ هذهِ النعمةَ العظيمةَ والمنحةَ الجليلةَ قدْ تُسلَب منَ المسلمِ بكلمةٍ فيكفرُ بعدَ إسلامهِ ويرتدُّ بعدَ إيمانهِ، قالَ تعالَى: ﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ وقال: ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.
وإنَّ للإسلامِ نواقضَ تُبطلهُ وتفسدهُ، مثلهُ كمثلِ نواقضِ الوضوءِ، إذَا وقعَ فيهَا المتوضئُ فإنهَا تُفسدُ وضوءَهُ وتُبطلُه، ونواقضُ الإسلامِ أقسامٌ ثلاثةٌ:
القسمُ الأولُ: نواقضُ قوليَّةٌ، كسبِّ الدينِ، والاستهزاءِ بهِ أوْ بالرسولِ ﷺ أو بربِّ العالمينَ، أوِ الاستهزاءِ بشعيرةٍ منْ شعائرِ الإسلامِ، كالاستهزاءِ بالحجابِ أو اللحيةِ، قالَ تعالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.
فبعضُ الناسِ إذَا أُغضبَ تلفَّظَ بألفاظٍ كفريَّةٍ، وهذهِ الألفاظُ مُخرِجةٌ لهُ منَ الإسلامِ إلَى الكفرِ، أوْ دعاءِ الأمواتِ وطلبِ المددِ والعونِ والتوفيقِ منهمْ.
القسمُ الثانِي: نواقضُ فعليَّةٌ، كوطءِ المصحفِ أوِ السجودِ للقبورِ والأصنامِ، أوِ الذبحِ لغيرِ اللهِ منَ الأولياءِ والصالحينَ، أو تركِ الصلاةِ، روَى الإمامُ مسلمٌ عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «بينَ الرجلِ والشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ».
القسمُ الثالثُ: نواقضُ عقديَّةٌ، كاعتقادِ أنَّ أحدًا غيرَ اللهِ يعلمُ الغيبَ، أوْ تفضيلِ حكمِ غيرِ اللهِ علَى حكمِ اللهِ، أوْ ردِّ السنةِ النبويةِ وعدمِ الاحتجاجِ بهَا، أوْ تقديمِ الحريةِ علَى الشريعةِ المحمديةِ، أو اعتقادِ أنَّ هناكَ دينًا غيرَ دينِ الإسلامِ يُوصلُ إلَى اللهِ، أوْ عدمِ تكفيرِ اليهوديَّةِ وَالنصرانيَّةِ وقدْ كفَّرهمَا اللهُ فِي كتابهِ بقولهِ: ﴿لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [البينة: 1] أو تحليلِ مَا حرَّمَ اللهُ أوْ تحريمِ مَا أحلَّ اللهُ … وهكذَا.
إنَّ أوجبَ الواجباتِ الحذرُ منْ نواقضِ الإسلامِ ومبطلاتهِ، فإنَّ مَنْ بطلَ إسلامهُ فَإنَّ الجنةَ عليهِ حرامٌ، والنارَ لهُ دارٌ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72] وروَى الإمامُ مسلمٌ عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «واعلمُوا أنهُ لنْ يدخلَ الجنةَ إلا نفسٌ مسلمةٌ».
عباد الله
روَى البخاريُّ عنِ ابنِ مسعودٍ -رضيَ الله ُعنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «الجنةُ أقربُ إلَى أحدكمْ منْ شراكِ نعلهِ، والنارُ مثلُ ذلكَ».
وإنَّ نواقضَ الإسلامِ كثيرةٌ، ولا سبيلَ للنجاةِ منهَا -بعدَ توفيقِ اللهِ وفضلهِ- إلَّا بدراسةِ العلمِ الشرعيِّ والرجوعِ إلَى العلماءِ الموثوقينَ ودروسهمْ وكلماتهمْ،
إنَّه يجبُ الحذرُ منَ اللسانِ، فهوَ يهوِي بالعبدِ دركاتٍ سافلاتٍ، ويرفعُهُ درجاتٍ عالياتٍ، روَى البخاريُّ عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ منْ رضوانِ اللهِ، لا يلقِي لهَا بالًا، يرفعهُ اللهُ بهَا درجاتٍ، وإنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ منْ سخطِ اللهِ، لا يلقِي لهَا بالًا، يهوِي بهَا فِي جهنمَ».
أيُّها المسلمونَ، إنَّ البدعَ بريدُ الكفرِ وطريقُه، كبدعةِ التصوفِ منَ الأذكارِ البدعيةِ والرقصِ الصوفيِّ والأدعيةِ الجماعيةِ بعدَ الصلواتِ، والتبرُّكِ بالصالحينَ وتعظيمِ الآثارِ تعظيمًا دينيًّا.
وإنَّ منْ أعظمِ سبُل الثباتِ علَى الدينِ: الدعاءَ، قالَ تعالَى: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8] واستشعارُ ما نقرأهُ فِي سورةِ الفاتحةِ وهوَ قولُهُ تعالَى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾.
أقول قولي هذا واستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله اتقوه حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعلى زلاتكم نادمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذِلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداءك أعداء الدين اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز. اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية،اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم. اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين. ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ١٤ ربيع الآخر ١٤٤٣هـ. هاشم المطيري