التصنيفات
خطب الجمعة

إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم – هاشم المطيري #الجمعه

تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF وملف صوتي MP3


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة.
عباد الله : قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ الآية.
ذكر الطبري في تفسيره أن هذه الآية نـزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة، فثبَّطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم، ثم ساق بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سأله رجل عن هذه الآية؟ قال: هؤلاء رجال أسلموا، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فلما أتَوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فأنـزل الله جلّ ثناؤه هذه الآية.
عباد الله : لا شك أن نعمة الأهل من أزواج وأولاد من أجل نعم الله التي تطمئن بهم القلوب وتسر معهم النفوس وهي من النعم التي ابتلي فيها ابن آدم لينظر الله تعالى أيشكر أم يكفر؛ فإن الله يبتلي الإنسان بالخير والشر، قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ الآية.


عباد الله : كما أن على رب الأسرة حقوق تجاه الزوجة والأولاد فإن هناك لرب الأسرة حقوق على أسرته يجب مراعاتها، وعدم الإخلال بها؛ فإن التقصير مع رب الأسرة من قبل الزوجة والأولاد يعود ولا شك بالتقصير من جانبه عليهم بالعادة؛ فتشتكي الزوجة ويتذمر الأولاد ويدخل الشيطان في ذلك البيت ولو تبصر الجميع لوجدوا سبب ذلك بداية تقصير في حق الأب أو مطالبته بأمور فوق طاقته.
فعلى رب الأسرة أن ينتبه لذلك ولا ينساق خلف ضغوط الجهال والسفهاء، وسذاجة أو مكايد النساء؛ فيضيّع نفسه في دينه وصحته وماله، ثم يعود الأمر على تلك الأسرة بالتفريق والهدم فتزول تلك الهبات والنعم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِيلَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَقْضِيَ لَهُمْ فِي عِيدِ اللَّهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَقْطَعُ اسْتِشْرَافَهُمْ إلَى غَيْرِهِ – يعني من الأعياد المحرمة والمخترعة وما أكثرها في زماننا – فإن لَمْ يَرْضَوْا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَنْ أَغْضَبَ أَهْلَهُ لِلَّهِ أَرْضَاهُ اللَّهُ وَأَرْضَاهُمْ. فَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ مِنْ طَاعَةِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ} . وَأَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الْمُلْكَ وَالدُّوَلَ طَاعَةُ النِّسَاءِ. فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً} . وَرُوِيَ أَيْضًا: {هَلَكَتْ الرِّجَالُ حِينَ أَطَاعَتْ النِّسَاءَ} وَقَدْ {قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا رَاجَعْنَهُ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ: إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ} . يُرِيدُ أَنَّ النِّسَاءَ مِنْ شَأْنِهِنَّ مُرَاجَعَةُ ذِي اللُّبِّ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: {مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِلُبِّ ذِي اللُّبِّ مِنْ إحْدَاكُنَّ} . {وَلَمَّا أَنْشَدَ الْأَعْشَى أَبْيَاتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُهَا وَيَقُولُ: وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ} وَلِذَلِكَ امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى زَكَرِيَّا حَيْثُ قَالَ: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْتَهِدَ إلَى اللَّهِ فِي إصْلَاحِ زَوْجَتِهِ” انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله : لا تخضعوا للضغوط النفسية والإرهاب الإعلامي الذي يمارسه الغرب الكافر المنحل ويردده من اغتر بهم من جهال المسلمين وعملاء أهل الرذيلة الظالمين، ومارس قوامتك أيها الرجل العاقل بما يرضي الله سبحانه وتعالى ويعود على زوجك وولدك بالخير والسعادة فلا شح ولا تقصير ولا بذخ ولا تبذير فكما أن الله سبحانه وتعالى يقول ﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ الآية ؛ فإنه قال جل في علاه . ﴿ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا﴾ الآية. فإن جمع المال وطلب الرزق قد يشغل رب الأسرة حتى لا يبقي من وقته شيئا لعبادة الله تعالى بطمأنينة وخشوع ؛ أو يدخله في كسب المال الحرام سعيا لتلبية طلبات أسرته الجائرة، فيسأله الله عن ذلك ويعرض نفسه لعقوبة الله، بينما تجد الأسرة في الغالب لا يراعون هذه الأمور ولا يفطنون لها وإنما همهم تلبية طلباتهم ومجاراة الناس في سفاهاتهم ومحاولة إظهار ما يثير الغيرة والحسد مع أقاربهم وأقارنهم حتى دخل المجتمع في سباق هزلي خطير أذهب بالأخلاق والأوقات والمدخرات وحمل الأسرة عموما ما لا تطيق من أنماط وأساليب الحياة التي يجمعونها من أشتات الشعوب الهالكة ورموز القيم السافلة حتى صارت معيارا للحياة عند كثير من هذا الجيل إلا من رحم ربي.
عباد الله : إن ما نراه من توجه إلى الهاوية خطير يعصف بالأسرة المسلمة المحافظة إنما سببه تقصير الرجل بالقيام بمسؤوليته؛ فإن كثير من الرجال أخلد إلى الأرض بعد أن منحه الله القوامة وتنصل من البيت اعتمادا على إمكانية المرأة والأولاد في عصر التقنية، فتجده يقضي باق نهاره في الاستراحات والمجالس والمقاهي والرحلات هروبا من مسؤولية تلك الأسرة فآل المآل إلى ما ترون من ضياع وتخبط وتبذير وسفاهة وهذا غالب إلا على من وفقها الله من النساء لذلك يرضخ الرجل لطلبات غير منطقية ويتجاهل أمورا غير سوية؛ إسكاتا لأسرته عن غيابه وتغطية لممارساته الصبيانية فاتقوا الله أيها الرجال في أنفسكم وأزواجكم وأولادكم واعلموا أن الأمر خطير والعمر قصير والحساب عسير وأن الله سبحانه وتعالى خبير بصير.
ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله : قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ الآية.
عباد الله : احرصوا على تعليم أهاليكم العقيدة الصحيحة في زمن التطرف والانحراف والتشدد والانحلال، اربطوهم بعلماء أهل السنة الثقات لا قصاص ولا بكائين وانظروا عن من تأخذون هذا الدين فإن أهل البدع قد ملؤوا المنابر والميادين وغصت بهم منصات التواصل أجمعين.
اصبروا على متابعة أسركم في أداء الصلوات والتزام الستر والعفاف وأشغلوهم بما ينفعهم قبل أن يشتغلوا بما يضركم ويضرهم، واعلموا أنهم أمانة في أعناقكم ونعمة في حياتكم فلا تقابلوا نعمة الله بالجحود ولا يصرفنكم شياطين الإنس والجن عن المقصود وألحوا على الله بدعائه الصلاح في أنفسكم وأهليكم وأولادكم وأن يجنبكم الله شر الأشرار وكيد الفجار ومكر الكفار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذِلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداءك أعداء الدين اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين.
ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
١ ذو القعدة ١٤٤٢هـ
هاشم المطيري

لتحميل الخطبة ملف PDF إضغط هنا

لتحميل الخطبة ملف MP3 إضغط هنا

بواسطة هاشم المطيري

المشرف على موقع البيعة
ماجستير عقيدة ومذاهب معاصرة
داعية وخطيب جمعة ومهتم بالأمن الفكري وتوعية المجتمع.