تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF وملف صوتي MP3
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ الآية
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة.
عباد الله : قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ الآية، وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»، رواه البخاري.
عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى يصطفي من عباده ومخلوقاته ما يشاء ويختار منهم بفضله ورحمته وحكمته وعدله، قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ الآية.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “إن الله -سبحانه- اختار من كلِّ جنسٍ من أجناس المخلوقات أطيبَه، واختصَّه لنفسه، وارتضاه دون غيره، فإنه تعالى طيبٌ لا يحبُّ إلا كل طيب، ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب، فالطيبُ من كل شيء هو مختَاره تعالى”. انتهى كلامه.
فالله سبحانه وتعالى يصطفي ويختار من البشر أحسنهم كالرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ويصطفي ويختار من الأماكن أقدسها كالبلد الحرام مكة المكرمة والمدينة النبوية، ويصطفي ويختار من الأزمان أفضلها وهي الأشهر الأربعة الحرم رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم.
عباد الله: كل ذلك الاصطفاء والاختيار موجب لمضاعفة الحسنات وتعظيم السيئات؛ فمن عمل صالحا موافقا لزمان أو مكان قد اصطفاه الله أو كان ممن اصطفاه الله، فإن أجره مضاعف كما أن الصلاة في الحرم المكي عن مائة ألف صلاة، وكذلك من عمل سوء ووافق زمانا أو مكانا قد اصطفاه الله سبحانه واختار، فإن جرمه عظيم وذنبه خطير؛ لذلك قال سبحانه في حق نساء النبي ﷺ: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) ۞ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ سورة الأحزاب، الآية: ٣٠-٣١، وذلك أنهن ممن اصطفاهن الله لرسوله ﷺ.
فاحذروا عباد الله المعاصي والذنوب كلها صغيرها وكبيرها في كل زمان ومكان، وخصوصا في الأشهر الحرم والأماكن المقدسة، احذروا الوقوع في ما حرم الله في أنفسكم وخصوصا ممن آتاه الله علما وحكمة وفضلا وحكما، فإن هذا نوع اصطفاء لهم من بين الخلق؛ وهل يستوي من وقع بمعصية ممن آتاهم الله علما بمن كان أقل علما أو ابتلاه الله بالجهل؟ لا يستوون.
عباد الله: حينما يصطفيكم الله بنعمه التي لا تعد ولا تحصى وأعظمها نعمة الهداية إلى الدين القويم من توحيد الله سبحانه واتباع سنة نبيه ﷺ واقتفاء سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى والدين، ونعمة الأمن والأمان، والصحة والعافية في الأبدان، والسلامة في الأهل والإخوان، ورغد العيش في الأوطان، ثم نقابل كل تلك النعم بالتقصير بحق الله فيما أوجبه، والوقوع فيما زجر عنه وحرمه؛ فإن السيئة أعظم في حقنا ولا شك مقابل من ابتلاهم الله بالفقر والتشريد، والخوف والجوع، ومفارقة الأهل والأوطان، فاعتبروا يا أولي الألباب واحذروا مكر رب الأرباب.
اللهم لا تعاملنا بعدلك فنهلك، وعاملنا بفضلك ورحمتك وعفوك، اللهم لا تعاملنا بما نحن أهل له، وعاملنا بما أنت أهل له، إنك أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله : اتقوا الله حق تقاته وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعلى تفريطكم وزلاتكم نادمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون، خذوا من دنياكم لآخرتكم ومن شبابكم لهرمكم ومن صحتكم لسقمكم ومن فراغكم لانشغالكم؛ فإن العبد لا يدري ما يحل به غدا، فاغتنموا أعماركم بما ينفعكم في دينكم ودنياكم، قال تعالى: ﴿ فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب ﴾ الآية.
ثم صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه: ﴿إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ الآية. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذِلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداءك أعداء الدين اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده ووزراءه وأعوانه لما تحبه وترضى واجعل عملهم في رضاك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية، وخذ بنواصينا جميعا للبر والتقوى وحقق فينا جميعا أسباب ولايتك وتمكين دينك القويم.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين.
اللهم عليك بالرافضة والحوثيين والإخوان والليبراليين وكل منحرف عن الدين ذات الشمال وذا اليمين. .
اللهم أبرم في هذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية ويخزى فيه أهل البدعة والانحلال، ويفضح فيه من يحمل على المسلمين الغل والأغلال، ويسعى في نشر الثورة والفوضى والوبال، ويكفر نعمة ظهور التوحيد والسنة والأمن ويريد الإخلال.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
١٥ ذو القعدة ١٤٤٢هـ
هاشم المطيري