تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF وملف صوتي MP3
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة
عباد الله: إن آفة الكبرياء أو الكبر أو التكبر والخيلاء آفة خطيرة وبلية عظيمة وفتنة وخيمة تزل بها الأقدام فتدق الاعناق وتصرف القلوب وتسمُّ الأبدان وتُذهب العقول وتزول بسببها النعم وتحل النقم وتجر إلى الهلاك في الدنيا والآخرة. قال تعالى ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ وقال
﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ وقال ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ وقال ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ وقال تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾
وقال ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾
وأخْرَج مسلم عن عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مِثقالُ ذَرَّة من كِبْر))، فقال رجل: إنَّ الرجلَ يحبُّ أن يكونَ ثوبُه حسنًا، ونَعْلُه حَسَنةً، قال: ((إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمالَ، الكِبْر: بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس)).
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قال الله – عزَّ وجلَّ -: الكبرياء رِدَائي، والعَظَمة إزاري، فمَن نازَعَني واحدًا منهما، قذفْتُه في النار)
و روى الإمام أحمد عن حذيفة- رضي الله عنه – قال: \”كنَّا مع النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – في جنازة، فقال: ((ألا أُخبركم بشرِّ عباد الله؟ الفظُّ المستكبر، ألا أُخبركم بخير عباد الله؟ الضعيف المستضعَف ذو الطِّمْرَيْنِ لا يُؤْبَه له، لو أقْسَمَ على الله لأَبَرَّه)). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((احتجَّتِ النار والجنة، فقالتْ هذه: يَدخُلُني الجبَّارون والمتكبِّرون، وقالت ْهذه: يدخُلُني الضُّعفاء والمساكين” وعن أبي هريرة أيضا – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بينما رجلٌ يتبخْتَر في بُرْدَيْنِ وقدْ أعجبتْه نفسُه، خُسِفَتْ به الأرضُ، فهو يتجلْجَل فيها إلى يوم القيامة))؛ مُتفق عليه عباد الله لو لم يأتي من الكبر إلا أنه يتسبب بصرف العبد عن فهم آيات الله وقبولها والإيمان بها لكان ذلك سببا في البعد عن الكبر والحذر منه؛ وذلك من جهتين الأولى عقوبة من الله كما في الآية السابقة في قوله تعالى ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ والثانية أن الكبر يمنع صاحبه من قبول الحق أصلا والتنازل عن رأيه وهواه فكيف يترك ما اختاره هو ويتبع الدليل والحق مع من خالفه واعترض عليه وهو متكبر يرى نفسه فوق غيره مكانة ورأيا وعزة وعقلا وقد يكون هذا المشهد بحضور الناس وأمام الملأ ووقتها تعظم الفتنة عليه ويصعب الانقياد للحق إلا من رحمه الله ووفقه قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ لذلك من عقيدة أهل السنة والجماعة ترك الجدال لأنه يسوق المتجادلين إلى المغالبة والمنافسة وكل واحد يريد أن يعلي قوله على الأقوال الأخرى وهنا تظهر آفة الكبر فتجد الجاهل الذي لا دليل عنده ولا علم يتمسك برأيه كبرا لا ثباتا على الحق ولا اتباعا للدليل ولسبيل المؤمنين. فاحذروا يا عباد الله هذا الخلق الذميم الذي يهلك صاحبه فقد يجر الكبر إلى الكفر بالله كما فعل إبليس حين تكبر عن السجود لآدم كما أمره الله فكان الكبر دافعه. أقول قولي هذا واستغفر الله لي، ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله اتقوه حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعلى زلاتكم نادمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
عباد الله: لا تتكبروا على عباد الله المؤمنين خاصة بل أظهروا لهم الذل بمعنى الرحمة تقربا لله بما أنهم مؤمنين قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ”
وقال تعالى” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ” فهل تريد أن تكون أيها المسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهذه صفات من هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رحماء بينهم.
عباد الله صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال[إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية،
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم
اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين. وقوموا إلى صلاتكم
٤ جمادى الآخرة ١٤٤٣هـ.
هاشم المطيري