تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF وملف صوتي MP3
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة
عباد الله انّ من الحقوق التي تجب على المسلمين لبعضهم: توقير المشايخ والكبار وذوي الهيئات.
فعن ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الحاكم، وقال: “صحيح على شرط مسلم”.
وروى الحاكم أيضًا وصححه عن أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
وروى أبو داود عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ أَنَّ عَائِشَةَ مَرَّ بِهَا سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» وفي الحديث: حثٌ على إعطاء كلِّ ذي حقٍ حقه، وتعظيم العلماء والأولياء، وإكرام ذي الشيبة، وإجلال الكبير وما أشبهه.
وقد عدّ النبي – صلى الله عليه وسلم – إكرامَ ذي الشيبة المسلم من إجلال الله تعالى، فقد روى أبو داود وحسنه الألباني عن أبي موسى – رضي الله عنه – أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم».
وإنّ من صور إكرامه أن يُقدّم على غيره في الكلام والسواك والطعام والشراب والمشي ونحو ذلك إذا جلسوا متساوين، فقد ثبت في الصحيحين أنّ ثلاثةً أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ ليتكلموا معه في قضية قتل، فأراد أخو القتيل أن يتكلم وكان أصغرهم، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – «كَبِّر كَبِّر»، وثبت في الصحيحن أيضًا عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «أراني في المنام أتسوك بسواك، فجذبني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كَبِّر ، فدفعته إلى الأكبر»، وأخرج أبو يعلى بسندٍ قوّاه ابن حجرٍ أنّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كان إِذَا سَقَى، قَالَ: «ابْدَءُوا بِالْكَبِيرِ».
كما أنّ الكبيرَ يُقدم على غيره في الإمامة إذا استووا في باقي الخصال المعتبرة؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: «وليؤمكم أكبركم» متفقٌ عليه.
عباد الله إنّ من أعظم ما عُني به الإسلامُ أن نظّم حياة المجتمع المسلم من خلال ما أوجبه من حقوقٍ تجب لبعض المسلمين على بعض.
فمن حقوق المسلم: ما ثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب – رضي الله عنه – أنه قال: “أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، أَوِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ”.
ومن حقوق المسلم: أن تنصح له إذا استنصحك، وتحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، فقد روى مسلمٌ عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»، وروى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه -عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
ومن حقوق المسلم: أن تسعى في قضاء حاجته، وتحسن إليه بكل ما تستطيع، وأن تصون عرضَه ونفسَه ومالَه عن الظلم، وتستر عورته، وتناضل دونه وتنصره، وتكفّ أذاك عنه، فقد روى البخاري ومسلم عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
ومن حقوقه: أن لا تبغضه أو تحسده، وأن لا تزيد في هجرته فيما يتعلق بالدنيا على ثلاثة أيامٍ، فقد روى البخاري ومسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ».
ومنها: أن تخالقه بخلقٍ حسن، وأن تكون معه طلق الوجه رقيقاً، وتجيء له بحقوقه بمثل الذي تحب أن يجاء إليك به. فقد روى الترمذي وحسّنه عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»،
وروى مسلمٌ عن أَبِي ذَرٍّ – رضي الله عنه – أيضًا أنّ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال له: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ».
وروى مسلم عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه – أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ».
أقول قولي هذا واستغفر الله لي، ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله اتقوه حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعلى زلاتكم نادمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
عباد الله صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال[إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية،
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم
اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين. وقوموا إلى صلاتكم
١١ جمادى الآخرة ١٤٤٣هـ.
هاشم المطيري