تجد في نهاية الخطبة رابط تحميل الخطبة ملف PDF وملف صوتي MP3
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة
عباد الله { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ }، لا ريب أنَّ الحكم بين العباد بشرع الله المنزَّل على رسوله صلى الله عليه وسلم مِن أعظم العبادات، وأهم الواجبات، وآكَد الحقوق على الولاة وفيه كل الخير والحياة، قال تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
عباد الله:
إنَّ مِن نِعم الله الكبرى التي تفضَّل بِها على أهل هذه البلاد، البلادِ السعودية، وأكرمَهم بها مُنذ التأسيس، أنْ قيَّظ لهم ولاة أمْرٍ يحكمون بينهم بشرع الله المطهَّر، ويُلزِمون العباد أحكامه، ويُطبِّقونه بِمَرأى ومسْمعٍ مِن العالم كله، وذلك فضل الله يُكرِم بِه مَن يشاء مِن عباده، والله ذو الفضل العظيم، فَحُقَّ لهم أنْ يفرحوا بهذه النِّعمة شديدًا، وكيف لا يفرحون وقد قال ربهم سبحانه آمِرًا: { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }، وواجبٌ عليهم أنْ يَشكروا ربَّهم على هذه النِّعمة كثيرًا، فقد قال سبحانه مُرغِّبًا ومُرهِّبًا: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }، وحَقٌّ عليهم أنْ يشكروا ولاةَ أمرهم وحكامهم على تحكيمهم لشريعة الله القيِّمة، وأنْ يَلهجوا بالدعاء لهم، والثناء عليهم بذلك، ويحفظوا هذا الجميل لهم، ولا يتناسوه أو يُغفِلوه أو يتعاموا عنه، فذلك الخُلُق مِن طبع اللِّئام، وخَسَاسة أهل الجحود، وفِعل أصحاب النُّكران للفضل والجميل، وصفاتِ أهل الغِل والحِقد والحسد، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ الله ))،
بل إنَّ نُكرَان النساء لمعروف وإحسان وفضل الأزواج عليهن مِن أعظم أسباب كونِهنَّ أكثر أهل النار، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِالله؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ))، وكل مؤمِن أكرمه الله فسَلَّم قلبَه مِن الغِل والحِقد والحسد يفرح بهذا التحكيم للشرع المطهَّر في هذه البلاد، وعلى جميع مَن يَسكن فيها، ويُحِبه لهم ومِنهم، لأنَّه يعلم وجوب تحكيم شرع الله بين عباده، ويَعرف أنَّ الفرح بذلك ومحبته مِن أجلِّ صفات أهل الإيمان،
عباد الله إنَّ مِمَّا يَسُر قلوب أهل الإيمان كثيرًا، ويُطمئن العباد على بلادهم وأنفسهم وأموالهم شديدًا، ويَحفظ الأمن ويُقوِّيه، ويُضعف الإجرام والاعتداء، ما قامت بِه الحكومة السعودية قبل أيَّام مِن إقامة العقوبات الشرعية، وتنفيذ الحدود والتعزيرات التي قضَت بها المحاكم الشرعية، على أقوام شَرعوا في أنكَر أنواع الإجرام، وباشروا أقبَح صور العدوان، فشقوا عصى الطاعة، وفارقوا الجماعة، وخرجوا على الولاة المسلمين بالقول والسلاح، وأفسدوا في الأرض، فقتلوا مَن حرَّم الله قتله مِن رجال الأمْن وعموم المسلمين وأهل العهد والأمان مِن غير المسلمين، ودمَّروا وأتلفوا ونَهبوا ممتلكات الناس، وممتلكات بيت مال المسلمين، وأضرُّوا بالاقتصاد، وأدخلوا الخوف والرُّعب على الناس، وزَعزعوا الأمْن، وتعرَّضوا للناس في مراكبهم وأعمالهم وطرقاتهم بالسلاح، بل حتى المساجد لم تَسلم مِن شُرورهم، ولا روَّادها، وحرَّضوا على ذلك عبْر أجهزة الإعلام والتواصل المسموعة والمرئية والمقروءة، وأفتوا بِه، ودعوا الناس إليه، وشجعوهم للالتحاق بأهله، فدخلوا في قول الله سبحانه وحكمه المصلِح للعباد والبلاد، والدين والدنيا: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }، ودخلوا في قول النبي صلى الله عليه وسلم وحكمه المصلِح للدين والدنيا، وللنفس والمال والعِرض، فيمن سَعى في تفريق أمْر المسلمين المجتمعين على وليِّ أمرهم، حيث صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ ))، وفي لفظ آخَر: (( فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ))،
عباد الله
إنَّ في إقامة الحدود والتعزيرات الشرعية على مُستحقيها خيرًا عظيمًا للعباد والبلاد، والحاضر والمسافر والباد، إذ تَردْع أهل الإجرام والإرهاب والإفساد، وتُخفِّف مِن شُرورهم وعدوانهم على العباد وأموالهم وأعراضهم، وترهِّب الناس مِن سُلوك مسالك المفسدين في الأرض، وتقوِّي الأمْن، واستقرار البلاد، وطمأنينة الخلق في إقامتهم وأسفارهم على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وتُقلِّل الشَّر والفساد الديني والأخلاقي، وتَكبح جرائم القتل والسرقة والظلم والاعتداء والفجور والزِّنا والقذْف، وتكسِر شوكة أهل ذلك، وعصاباتها، ودعاتها، وقنواتها، وتزجُر الناس مِن التَّسلُّط أو الاعتداء على بعض، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أما بعد:
عباد الله اتقوه حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعلى زلاتكم نادمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
إعتبروا عباد الله بما حل بهؤلاء الذين لم يصلحوا دينا ولا دنيا هؤلاء الخوارج الذين خرجوا على جماعة المسلمين وإمامهم لم يصلحوا دينا ولا دنيا أين ثمارهم يا عباد الله؟ أين ثمارهم؟ إن حقا على الله أن ينصر أولياءه حيث قال سبحانه وتعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
إعتبروا فإن هؤلاء الخوارج كلما قطع منهم قرن خرج آخر كما جاء في الحديث, فالتزموا السنة والتزموا السراط المستقيم وخذوا الدين عن من هم أهل للثقة من العلماء الراسخين ودعوا القصاص والدعاة الذين لم يعرفوا بتاريخ راسخ ولا بطلب العلم ولم يزكهم أحد من العلماء, إن العلماء متوافرون في هذه البلاد وليس لأحد حجة أن يتتبع بهواه فإن اجتهاد العامي الذي لا يحسن النظر في الآيات أن يجتهد في تقليد من يثق به وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: إتقوا الله معاشر المسلمين وانظروا عن من تأخذون فإن هذا العلم دين وأهل البدع لا يرعوون ولا يؤمَنون وهم يغوون الناس ويدخلونهم في النار فاحذروا يا عباد الله فاحذروا وخذو دينكم من الثقات فإن في هذه البلد جهات رسمية قد أوكلها ولي الأمر بالإفتاء للناس فخذوا منهم الدين وتعلموا على أهل الدين الثقات خصوصا في هذه الأوقات التي تيسرت فيها القنوات فإنك تستطيع أن تسمع لابن باز وابن عثيمين رحمهم الله وغيرهم من العلماء الثقات الذين ماتوا وشهد لهم القاصي والداني بالثبات.
إياكم إياكم والعب بدينكم فإن أحدنا إن أراد أن يصلح بابا أو شباكا فإنه ينظر في أحسن فنيّ وعامل فاتقوا الله عباد الله ولا تجعلوا دينكم أسهل وأرخص ما تحرصون عليه.
عباد الله صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال[إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أراد بلادنا هذه وبلاد المسلمين عامة بسوء فاللهم أشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره واجعل دائرة السوء عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة وأصلحنا جميعا رعاة ورعية،
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الثغور وفي كل الميادين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم وحقق فيهم أسباب نصرك المبين يا ذا الفضل العظيم
اللهم تقبل من مات منهم في الشهداء وداو من تأذى منهم وردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين ولا تحرمنا وإياهم الأجر يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وقوموا إلى صلاتكم
١٥ شعبان ١٤٤٣هـ.
هاشم المطيري